بعد أن استقالت حكومة محلب( مشكورة غاية الشكر) بدأ المثقفون يتساءلون: " ومن سيكون وزير الثقافة الجديد؟". وفي كل مرة يثار فيها هذا السؤال أشعر بضعف الحركة الثقافية التي عادة لا تسأل عن برنامج لدي وزارة الثقافة القادمة، أو معالم سياستها الثقافية، ناهيك عن أن تطرح الحركة برنامجها وتقدمه بل وتلزم به الوزارة. للأسف يدور الحديث دائما حول الوزير وليس الثقافة وحاضرها ومستقبلها! وكما كانت القصة كلها "خلع مبارك"واستبقاء نطامه فإن القصة هنا هي شخص الوزير وبقاء الثقافة على حالها! . وقد سألني زميل صحفي لتحقيق يجريه عما أنشده من الوزير الجديد فقلت له بالنص: " لا أنشد شيئا منه، ولا أعقد أملا على شيء، المسئولون يعرفون ماهو المطلوب من كثرة ماكتبنا في ذلك، فليبدأ الوزير الجديد أولا بفعل شيء أي شيء لكي أثق به ولكي لا أشعر أن كلماتي طعام للريح". ولكني هنا – لأنني أخاطب القارئ وليس المسئولين- أكرر توضيح ما أراه مطلوبا في هذا الشأن : أن يعقد مؤتمر للمثقفين يحددون فيه الخطوط العامة للسياسة الثقافية، وفلسفة ثقافتنا، وطابع الثقافة التي نريدها، والحلول المقترحة للمشكلات المحددة على صعيد المسرح والسينما والنشر وأن يتقدم المؤتمر بترشيح ثلاثة أشخاص تعرض أسماؤهم على الحكومة لتختار من بينهم الوزير. أن تكون ميزانية وزارة الثقافة شفافة أمام الجميع، لكي لا يتم انفاق ثلاثة أرباع الميزانية على مهرجانات سخيفة، ومكافآت للمقربين. أن تكون توصيات مؤتمر المثقفين ملزمة للوزارة. لكننا – نحن المثقفين – في كل مرة يثار فيها موضوع الوزير نعجز أو عجزنا عن تقديم ورقة عمل تعكس رؤيتنا لانجازات الوزارة في السنوات السابقة، وحاضر الثقافة، ومستقبلها. ما من مرة نجحنا فيها في أن نجتمع ونناقش ونخرج برؤية مشتركة نعدها برنامجا ملزما ولو أدبيا للوزارة. لكن الأمل في تحقيق ما أراه ضعيف، وقد أصبح أقصى رجائي الآن أن نصون الموجود لدينا ولا نبدده أو نهدمه أو نتركه للتآكل والسقوط ! وأعنى بذلك على سبيل المثال لا الحصر البيت الذي ولد فيه سيد درويش في كوم الدكة بالاسكندرية، وقد تحول إلي خرابة ترعى فيها الماعز بالمعنى المباشر للكلمة، وقد خاطبت شخصيا وزارة الثقافة عدة مرات لتتقدم وتشتري البيت من مالكه وتعده متحفا ، لكن من دون جدوى. تكفى نظرة على متحف أحمد عرابي زعيم الفلاحين بالشرقية لندرك أننا نهدم تاريخنا ولا نصونه. تكفى نظرة على بيت هدى شعراوي في المنيا وقد أوشك أن يمسي أنقاضا. وتكفي أيضا نظرة على البيوت التي ولد فيها عباقرة الفكر والفن في الغرب والعناية التي تلقاها لكي تشعر بالحسرة على عباقرة مصر ومفكريها وثوارها. عندما تكرمت الدولة وقررت صنع تمثال لنجيب محفوظ عهدت بالمهمة إلي أحد رجال الدولة فأقام ذلك التمثال السخيف للكاتب العظيم، وحين رأى نجيب محفوظ التمثال حل عليه الذهول وقال ضاحكا: " لابد أن هذا المثال الذي صنع التمثال لم يقرأ لي سوى رواية الشحاذ " ! نعم نحن لا نصنع المستقبل، فلنحافظ على الماضي كحد أدنى.